سوريا
الأخبار
الثلاثاء 10 حزيران 2025
تُستبعد قاعة التنف من المساعي الأميركية للانسحاب، في استعادة للسياسة التي اتّبعتها ترامب خلال ولايته الأولى
خلال الأيام الماضية، كثّفت الولايات المتحدة تحرّكاتها العسكرية وفق خطة إعادة انتشار تهدف إلى تقليص الوجود العسكري في بعض القواعد، وحصرها بشكل رئيسيّ في المناطق النفطية. وأفضت هذه التحركات إلى إغلاق قاعدتَي إسناد صغيرتين، وتسليم ثالثة للقوات الكردية، حسبما نقلت شبكة «فوكس نيوز» عن مسؤولين أميركيين، أوضحوا أن القاعدتين تشملان موقع دعم المهام «القرية الخضراء» الذي جرى إغلاقه، وموقع دعم المهام «الفرات» الذي جرى تسليمه لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، بالإضافة إلى موقع ثالث أصغر بكثير أخلته القوات الأميركية.
وتتزامن التحركات الأميركية مع تكثيف التدريبات العسكرية بالرصاص الحي في بعض القواعد، بالتعاون مع «قسد»، وذلك في إطار «مكافحة الإرهاب». وتقابل تلك التحركات بأخرى اعتيادية في قاعدة «التنف»، أكبر القواعد الأميركية في سوريا، عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن، والتي تُعتبر بالنسبة إلى واشنطن موطئ قدم استراتيجياً يصعب التخلّي عنه، في ظل وجود طرق إمداد عديدة لها، عبر شبكة انتشار أميركي على الحدود بين سوريا والأردن، بالإضافة إلى الدور المهم الذي تلعبه، كونها شكّلت منذ إنشائها عام 2014، قاعدة حماية متقدّمة لإسرائيل، كما ساهمت في عمليات قطع إمدادات الأسلحة من إيران.
وحظيت «التنف» التي تمتد على مساحة 55 كيلومتراً، والمحاطة بقوات سورية شكّلتها واشنطن بهدف حمايتها تحت اسم «جيش سوريا الحرة»، ومن المُفترض أنها انضمت إلى هيكلية وزارة الدفاع، باهتمام أميركي غير مسبوق خلال الأعوام الماضية، تجلّى مثلاً في خصّها من جانب مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية بالزيارة في إطار جولاتهم في المنطقة.
منحت التغيّرات التي شهدتها سوريا، واشنطن، فرصة تاريخية لتوطيد حضورها العسكري في «التنف»
وفي ظل الحديث عن مساعي واشنطن للانسحاب من سوريا، تُستبعد قاعة التنف من هذه المساعي، في استعادة للسياسة التي اتّبعتها واشنطن خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، والتي قام فيها الأخير بتقليص الوجود الأميركي وحصره في المناطق النفطية، مقابل زيادة الدعم لقاعدة التنف. على أن المساعي الأميركية تلك، التي تجري بتسهيلات تركية - عبر إنشاء تحالف إقليمي يضمّ العراق والأردن تحت مسمى محاربة الإرهاب، بالإضافة إلى عملية دمج «قسد» مع الجيش السوري الناشئ -، تتركز بمجملها في مناطق سيطرة القوات الكردية، التي ترغب تركيا في إنهاء سيطرتها، في حين تمثّل قاعدة التنف حالة خاصة بعيدة عن المساعي التركية من جهة، وقريبة من النفوذ الإسرائيلي في الجنوب السوري من جهة أخرى، ما يمنحها بعداً استراتيجياً إضافياً.
وكانت واشنطن استخدمت «التنف»، التي تقع على بعد 24 كيلومتراً غرب معبر التنف - الوليد عند تقاطع الحدود السورية مع الأردن والعراق، وتشرف على طريق دمشق - بغداد الدولي، وتبعد عن مدينة تدمر نحو 240 كيلومتراً، أول مرة، في عام 1991، خلال الحرب الأميركية ضد العراق، إثر غزو الكويت، وذلك عندما انضمت سوريا إلى التحالف الذي قادته الولايات المتحدة بوجه صدام حسين. كما أعادت استخدامها مرة أخرى مع التدخل الأميركي في سوريا عام 2014.
ومنحت التغيّرات التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وما تبعها من انفتاح أميركي على السلطات الانتقالية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، واشنطن، فرصة تاريخية لتوطيد حضورها العسكري في هذه القاعدة الاستراتيجية. ويبرّر هذا الأمر، الحديث المتزايد عن إمكانية توقيع اتفاقية بين الإدارة الأميركية والشرع، يمنح بموجبها الأخير، الولايات المتحدة، قاعدة التنف بشكل قانوني، الأمر الذي يعني فضّ ارتباط الوجود الأميركي بتطورات ظرفية (مثل ملف محاربة الإرهاب)، وتجذير الحضور العسكري في سوريا، التي تتمركز فيها قوات فرنسية، وقواعد روسية وتركية، وتسيطر إسرائيل على جنوبها.